السبت، مارس 31

اسلام الشيطان | الشيطان الرجيم



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وبعد :

يقول الرسول  - صلى الله عليه وسلم - :

" ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة

قالوا : وإياك يارسول الله ؟!

قال : وإياي ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير  " ( رواه مسلم وغيره )

جاء في حاشية السندي علي شرح سنن النسائي :

” علي صيغة الماض أي فصار مسلما فلا يدلني علي سوء

وإسلام الشيطان غير عزيز فلا يُنكر  أو علي صيغة المضارع أي فأنا سالم من شره ”

وجاء في ( معاني الأخيار ) للكلاباذي : ” فهذا غاية حُسن المعاملة حتي انقاد له العدو واستسلم ”

وقال الإمام ابن الجوزي في ( كشف المشكل ) : ” يظهر أثر المجاهدة بمخالفة الشيطان ”

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه ممتدحا حُسن أخلاقه

ومُشجعا له علي المزيد والاستمرار :

"والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجَّا إلا سلك فجا غير فجك"(رواه البخاري ومسلم)

جاء في ” تحفة الأحوذي في شرح الترمذي ” :

” فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه ….

ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة ، لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره مُمْكِنة “

مِن هذين الحديثين الشريفين ومن شروح العلماء عليهما

تنطلق هذه التساؤلات :


هل من الممكن للمسلم أن يهزم شيطانه ؟

أن يستعلي عليه وكأنّ وساوسه لا قيمة لها ولا أثر ؟

هل من الممكن أن يدعوه للإسلام فيُسلم فلا يأمره إلا بخير ؟!

هل ينتفع بوساوسه السلبية فيحولها إلي نتائج إيجابية ؟!

هل من الممكن أن ينجح في تطبيق مفهوم قوله تعالي :

" إن كيد الشيطان كان ضعيفا
"(النساء : 76) .... فيسحقه ليسعد ؟

إنَّ الله تعالي ما خلق الشيطان إلا لمنفعة الإنسان وسعادته !!!

لا لإيقاعه في الشر بكل تأكيد !! لأنه تعالي أعلي وأكرم وأرفع وأجَلّ من ذلك ! أن يتصارع مع خلقه !!

ثم وهو الأهم ، لأنه سبحانه يحبهم ، لأنهم بكل بساطة خلقه وصنعته !

ومَن صنع صَنعة فإنه يحبها ويحرص عليها ويمدها بكل خير تحبه ” يحبهم ويحبونه ” ( المائدة : 54 )

ولذا فقد خلق الشيطان ليُوسوس للإنسان بالشر

فلا يتبعه بعقله الذي أعطاه له مُبرمَجا علي الخير لا الشر

فتقوَيَ إرادة عقل الإنسان وإرادة نفسه ويحرص دائما علي الخير وسعاداته

حينما يُقارنه بالشر وتعاساته
فينطلق بهذه الإرادة القلبية والعقلية القوية في الحياة

يستكشفها بمزيد ٍمن القوة والانطلاق
فيستخرج منافعها أكثر ، فينتفع أكثر ، فيسعد أكثر

وهذا هو أحد معاني قوله تعالي : ” إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ” ( فاطر : 6 )

أي كونوا يَقظين له كما تتحفزون لأعدائكم حتي تكونوا دائما أنتم الأعلون المنتصرين

وهو أيضا بعض ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه ” شفاء العليل ”

حيث قال : ” قولهم أيّ حكمة في خلق إبليس وجنوده ؟

ففي ذلك من الحِكم ما لا يحيط بتفصيله إلا الله : فمنها …

مخالفته ومراغمته ……. فيترتب لهم علي ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه …

ومنها …. لولا القبيح لم ُتعرف فضيلة الجميل “

أمَّا إذا غاب هذا المعني عن الإنسان ، واستسلم هو لشيطانه ، وانقاد لوساوسه ولم يستطع

أن يُسلمه هو له ، خاب وخسر وارتد في فعل الشر إلي أسفل سافلين ، وتعس دنيا وآخرة


إنَّ أفعال وأقوال الرسول (ص) كلها قدوة لنا ونبراسا ” أسوة حسنة ” ( الأحزاب : 21 )

نقتدي بها ونجتهد في الوصول إليها ، ولولا أنها يُمكن تحقيقها ، وبسهولة

كما يقول تعالي : ” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ” ( القمر : 17 )

لمَا قالها لنا صلى الله عليه وسلم !! وهو الذي لم يُوصنا بشيء إلا بوحي ٍمن ربنا

” وما ينطق عن الهوي ” ( النجم : 3 )

وإلا لمنفعتنا وسعادتنا في الداريْن

” فبذلك فليفرحوا ” ( يونس : 58 )

فإذا ما قال صلى الله عليه وسلم  : ” أعانني عليه فأسلم ”

فهو ولاشك توجيه ضمني لكل مسلم ومسلمة ليجتهد في هزيمة شيطانه

والانتفاع بوساوسه في تقوية إرادته ليكون قويا في حياته منتفعا بها سعيدا فيها

ثم في آخرته أعظم وأتمّ وأخلد سعادة

ثمّ إنَّ هناك كثيرا من الآيات والأحاديث التي تؤكد ما سبق

والتي تفيد استسلام الشيطان للمسلم بدوام تواصله مع ربه وأخلاق إسلامه

منها علي سبيل المثال لا الحصر قوله تعالي :

” إنه ليس له سلطان علي الذين آمنوا وعلي ربهم يتوكلون “(النحل : 99)

وقوله صلى الله عليه وسلم :

” مَن قال ( يعني إذا خرج من بيته ) بسم الله توكلت علي الله لا حول ولا قوة إلا بالله

يُقالُ له ُكفِيتَ ووُقيتَ وتَنحَّيَ عنه الشيطان ” ( رواه الترمذي وقال حسن صحيح )

إنَّ من أهم وسائل الانتصار علي الشيطان وأسلمته - أي جعله مُستسلما مُنهزما أمام المسلم -

تقوية الإرادة وذلك بإحسان استغلال وساوسه بفعل عكسها

وجعلها حافزا لفعل الخير بفعل بعض الأعمال التي تُقوّي إرادة القلب والعقل

كبعض المعاملات مثل الصدق والأمانة والوفاء بالوعود والمواعيد ونحو ذلك

وكبعض الشعائر التي تُقوّيها كالصيام والصلاة وقيام الليل والذكر وقراءة القرآن وما شابه هذا

فإن تمّ ذلك بصورة فردية فهو خير

وإن تمّ أيضا وسط صُحبة صالحة مُعِيِنة علي الخير
فسيكون الأمر أكثر خيرا وأكثر سهولة وأكثر نتيجة

بتوفيقه وتيسيره سبحانه لمن يبدأون ويتخذون تلك الأسباب


فكن أيها الداعي إلي الله والإسلام داعيا لشيطانك !!! ليُسلم ولا يأمرك بسوء !

فكأنه حينئذ يُعينك علي الخير الذي أنت فيه بتركك وشأنك ! فقد استسلم لك !

لأنك دائم فِعل الخير ودائم الحب والتواصُل مع ربك ! فلا مجال له ولا منفذ ولا وقت ليوسوس لك بشرّ !

وحتي إن فعلت شرّا ًلنسيان أو غضب أو غيره عُدتَ سريعا لأصلك الخيريّ …

بذلك تصبح قويا سعيدا .. وبذلك ُتوصِل الإسلام للآخرين بكل سهولة ويُسْر

لأنهم كلهم يبحثون بفطرتهم عن القوة والسعادة في الحياة

فإذا ما وجدوها عندك ، عند الإسلام ، انطلقوا مُتّبعين لك وله ليَقووا وليسعدوا هم أيضا مثلك …..

وسيكون لك ولهم ثوابكم العظيم

******************************************
للدكتور محمد محمود منصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد ونتشرف بتعليقاتكم ، ويسعدنا مراعاة ما يلي :

1 - ان يكون التعليق يخص محتوى الموضوع

2 - ان لا يحتوي التعليق اى روابط دون داعي

3 - أن لا يحتوي التعليق اي الفاظ او اساءات لاى احد