السبت، مارس 31

زيادة الوسواس من الشيطان هي زيادة ايمان لا كفر | علاج الوسواس



أخي الحبيب :

أصحابيٌّ أنت ؟!

لقد حدث لك مثلما حدث للصحابة الكرام من قبل

وهو يحدث الآن وسيظل يحدث مستقبلاً لكل بشر ولكل مسلم ومسلمة

والذي من الممكن أن يكون أيضا صحابياً أو صحابية

إذا أحبوا وحرصوا وتمسكوا وعملوا بإسلامهم ودعوا له مثلهم .

لقد جاء الصحابة منزعجين يوما ما للرسول صلى الله عليه وسلم

قائلين له: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به !

فقال لهم صلى الله عليه وسلم بكل حب وشفقة وهدوء وطمأنة واستبشار :

” وقد وجدتموه ؟ ” قالوا : نعم ، قال : “ ذلك صريح الإيمان” ( أخرجه مسلم ) .

إنَّ الله تعالي - أخي الحبيب - قد خلق الشيطان لمصلحة الإنسان !!!

ليوسوس له بالشر فيقاومه بعقله ولا يتبعه فتقوي إرادة عقله

ومعه نفسه التي هو يحركها ويسيطر عليها فينطلق بهذه الإرادة القوية في الحياة

يستكشفها أكثر فينتفع بها أكثر فيسعد فيها هو ومن حوله أمثاله أكثر ثم يسعد في الآخرة أكثر و أكثر

هكذا خلقه خالقه سبحانه لتزداد مقاومة المسلم كلما ازدادت وساوسه ومكائده

فهو يوسوس للضعيف بوساوس ضعيفة لأنه يراه لاغيا عقله متبعا للشر

فما الداعي إذن لزيادة الوساوس له؟!!

أما كلما ازدادت مقاومة المسلم وأصبح يومه وحياته كلها خيرا ولم يعد للشيطان معه أي منفذ

وسوس له بكل ما عنده لعله يمكنه إغواءه ! بأعظم الوساوس !

وساوس تتصل بالله تعالي ذاته بأشكال متنوعة ! …

إذن فزيادة الوساوس دلالة علي زيادة درجة الإيمان والتمسك بالإسلام !

ولهذا سعد الرسول صلى الله عليه وسلم بسؤال الصحابة من قبل

لأنه يدل علي قوة إيمانهم وحسن إسلامهم ثم طمأنهم أكثر وبشرَّهم أكثر .

أنَّ هذه الوساوس لا حساب عليها، ولا إثم، بل لها ثواب الاستفادة منها في زيادة الإرادة

وحسن الانطلاق في الحياة والانتفاع بها والسعادة فيها ، قال لهم مبشرا:

“ إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تكلم أو تعمل ” ( أخرجه الجماعة )

لأنه سبحانه هو الذي خلق العقل هكذا يفكر في كل شيء، خيره وشره وصالحه وفاسده

حتى يفرز هذا من ذاك فينتفع بالمفيد النافع طوال حياته بعدما قارنه بالمسيء الضار .

فإذا ما فعل المسلم هذا واستفاد من الوساوس كلما جاءته خاب الشيطان وتراجع

وقلل من وساوسه لأنه يري أنه كلما ازداد فيها كلما ازداد المسلم الاستفادة منها !

حتي يأتي اليوم وتكون وساوس الشيطان بالنسبة لقوَّته ضئيلة جدا

مصداقا لقوله تعالي : “ إن كيد الشيطان كان ضعيفا ” ( النساء : 76 )

ومصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

“ كمل من الرجال كثير ...” (جزء من حديث أخرجه البخاري ومسلم).

أخي الحبيب :


هذا هو مفهوم الوساوس وسبب إيجادها من الله تعالي وكيفية التعامل معها…

لكن لكي تكتمل الصورة علينا أن نجيب علي هذه الأسئلة :

ما الشرك ؟ وما الكفر ؟ وما الذكر ؟ وما الخشوع ؟


- أما الشرك :

فلقد عَّرفه العلماء عند تفسيرهم لقوله تعالي : “ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون” (يوسف: 106)

قال الإمام القرطبي :

" معهم شرك وإيمان  آمنوا بالله وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا يصح إيمانهم "

وقيل : نزلت في المنافقين والمعني وما يؤمن أكثرهم بالله أي باللسان إلا وهو كافر بقلبه

وقيل : معناها أنهم يدعون الله ينجيهم من الهلكة فإذا أنجاهم قال قائلهم لولا فلان ما نجونا

فيجعلون نعمة الله منسوبة إلي فلان .

” وقال الإمام السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) :

“ وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :

سلهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض فيقولون الله فذلك إيمانهم،وهم يعبدون غيره ”

فهذه هي تعريفات الشرك . . . فهل أنت كذلك ؟!!  لا نظن ذلك .


لأنه إما هو كفر بالرسول صلى الله عليه وسلم أو نفاق

بحيث ُتظهر الإيمان والنفع للآخرين بلسانك وتخفي الكفر والضرر لهم في قلبك وتصرفاتك

أو اليقين بأن فلانا ينفع ويضر وليس الله وليس هو إلا سبب فقط من الأسباب قد يستطيع أو لا

أو الأهم والأهم عبادة غير الله أي طاعة غيره فيما يخالف الإسلام .

فهو باختصار اتباع نظام مخالف لنظام الإسلام والتأكد بأفضليته عليه

رغم أنه قد يضر ولا ينفع وُيتعس ولا ُيسعد ولذا نبهنا ربنا لهذا كله في قوله :

” فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقي. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” (طه:123-124 )

وقوله: “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء” (الأعراف: 3).

قال الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى):

” فرض اتباع ما أنزل من الكتاب والحكمة وحظر اتباع أحد من دونه ”

أما من يخالف أخلاق الإسلام عن جهل بها أو اتباعا لوساوس الشيطان بسبب ضعف إرادته

جهلا بضررها عليه أو ما شابه هذا فليس ذلك من تعريفات الشرك التي ذكرناها سابقا بكل تأكيد

وليس فاعلها بمشرك وإنما هو مما يغفره سبحانه وجاءت فيه آيات التوبة كلها .

لأن فاعلها يحتاج إلي نصح وإرشاد حتى يعرف الخير فيتبعه

فهو قد يكون له بعض العذر، كما يقول الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) :

” في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم :

“ ما أحد أحب إليه العذر من الله، من سأجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين”

فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند ”.

- وأما الكفر :

فهو ببساطة مثل الشرك أو أعلي قليلا في درجة السوء منه فتعريف المشرك هو ما سبق ذكره

بينما الكافر هو : إما أنه ينكر وجود الله أصلا وإن كانت فطرته تنطق بذلك بين الحين والحين

محاولة منها لإعادة عقله للصواب وللسعادة ولكنه يغطي ذلك متعمدا ولذا

فالكفر هو التغطية للحق وعدم إظهاره ، كما ُيفهم من قوله تعالي :

“ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين” (فصلت: 9).

وإما انه ينكر وجود نظام ينظم حياته وهو الشرع والدين - أي الإسلام -

كما يفهم من قوله تعالي : “ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ” (سبأ: 31)

ليعيش في الحياة بلا نظام استجابة بعقله واختياره لوساوس الشيطان وانخداعا بخداعاته

ظنا أنه المتعة والسعادة بينما هو يعلم يقينا وداخليا بفطرته أنه الدمار والمرار والتعاسة

كما يفهم من قوله تعالي :" ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " (الأنعام : 43).

وإما أنه لا يؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار ليستبيح لنفسه فعل الشر

كما يفهم من قوله تعالي :" وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون " (النمل: 67).

- وأما الذكر :

فهو أعم وأشمل من أن يكون باللسان فقط، أو في الصلاة فقط

كما قال الإمام النووي في ذلك في كتابه ( الأذكار ) :

“ كل عامل لله بطاعة يكون ذاكرا لله تعالي”

إذ هدف الذكر دوام التواصل مع الخالق القوي المعين الرازق

حتي َيقوَيَ الإنسان فتسهل حياته وتسعد هي وآخرته .

فتحريك لسانك بذكر الله، واستشعاره بقلبك واستحضار نوايا الخير أثناء كل أعمالك الحياتية

من أكل وشرب ونوم ولبس وعلم وعمل وإنتاج وترويح حلال وعلاقات اجتماعية جيدة

وفعل الشعائر بتدبر والاستفادة منها في شحن قلبك ليدفع جسدك لحسن العمل.

كل هذا إذا عملته وأنت تستحضر في نواياك أنك تعمله إرضاء لله الذي تحبه

وطلبها منك لمصلحتك ولسعادتك أنت ومن حولك، وتعملها طلبا لحبه ولعونه ولرزقه

ولتوفيقه في الدنيا ثم لأعظم ثوابه في الآخرة فقد تمَّ التواصل بينك وبين ربك

وعشت سعيدا في دنياك وآخرتك كما يريد لك، وكنت ذاكرا ممن تشمله الآية الكريمة :

“ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ” (الأحزاب: 35).

- وأما الخشوع :

فهو السكون والاطمئنان وهو أيضا ليس في الصلاة فقط وإنما في الحياة كلها

إذ هو ثمرة من ثمرات حسن الذكر الذي سبق وذكرناه

فمن أحسن الذكر بشموله لا بد أن يطمئن ويهدأ ويهنأ ويسعد في الداريْن

ولذا قال مجاهد (من التابعين) رضي الله عنه في تعريف الخشوع :

“ الخاشعون هم المؤمنون حقا ”


أي أن المسلم المتمسك بأخلاق إسلامه في كل تصرفاته هو فعلا الخاشع حقا…

إضافة إلي تحرك قلبه حبا لدينه وربه وشوقا واستبشارا بلقياه وعطاياه .

أخي الحبيب :


إن استوعبتَ المفاهيم السابقة، وأحسنت تطبيقها ستنعدم بإذن الله عندك الوساوس

وإن جاءتك فاستعذ بالله وادعوه واستفد منها ثم اهملها حتى تنقرض . . .

وستكون بإذن الله من أفضل الذاكرين الخاشعين

وسيكون لك ثوابك العظيم ثواب إصلاح نفسك ثم من حولك

كما يقول تعالى : “ إنا لا نضيع أجر المصلحين ” (الأعراف: 170).

وفقك الله وأعانك وأسعدك ، ولا تنسنا من صالح دعائك.

**********************************************
للدكتور محمد محمود منصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد ونتشرف بتعليقاتكم ، ويسعدنا مراعاة ما يلي :

1 - ان يكون التعليق يخص محتوى الموضوع

2 - ان لا يحتوي التعليق اى روابط دون داعي

3 - أن لا يحتوي التعليق اي الفاظ او اساءات لاى احد