الخميس، مارس 15

من هم أهل الذمة ؟

https://lh6.googleusercontent.com/-4VKrAtAR5uI/T2H_kM8oQ1I/AAAAAAAAAN4/Fu9CTFTrbQY/h120/article.jpg


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ،

تعريف أهل الذمة :

( الأهل : معناه أصحاب ) ، ( الذِمة : بالكسر ، معناها :  العهد ) ، ( رجل ذمي : معناه رجل له عهد ) .

وفي التنزيل العزيز: " لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً " ( التوبة:10) قال : الذمة:العهد ، والإل :الحـِلـْف

وللذمة معان أخرى كثيرة منها : الأمان والكفالة أو الضمان والحرمة والحق والعقد.

فأهل الذمة مركب إضافي معناه :

من يعقد معهم عقد العهد والضمان والأمان وهم الذين يؤدون الجزية من المشركين كلهم .

(انظر مختار الصحاح ص223، وتاج العروس ج8 ص301 مادة ذمم، ولسان العرب ج2 ص221، 222.

تعريفه اصطلاحاً :

لقد عرف فقهاء المسلمين أهل الذمة أو الذمي بتعريفات متعددة منها :

الأول :

ما عرفه ابن جُزَيّ المالكي في القوانين الفقهية ص104 بقوله عن الذمي :

" كافر حر بالغ ذكر قادر على أداء الجزية ، يجوز إقراره على دينه

ليس بمجنون مغلوب على عقله ، ولا بمترهب منقطع في ديره " .

الثاني :

ما عرفه الإمام الغزَّالي كما في الوجيز (ج2/198) : 

" هو كل كتابي عاقل بالغ حر ذكر متأهب للقتال قادر على أداء الجزية " .

الثالث :

ما لخصه الشيخ العُنقَري في حاشيته على الروض المربع (ج2/25) من تعريف الذمي :

" من اسـتــوطــن دارنا بـالـجـزيـة ".

من خلال التعريفات المذكورة يتبين لنا أن الذمي هو :

" كل كافر بالغ عاقل حر ذكر ممن يقيم في دار الإسلام قادر يجوز إقراره على دينه بالجزية " .

أو " إقرار بعض الكفار على كفرهم ببذل الجزية والتزام أحكام الملة ".

الحكمة من مشروعية عقد الذمة :


- أما الحكمة من مشروعية عقد الذمة فأهمها :

أن يترك الحربي القتال مع احتمال اعتناقه الإسلام مختاراً .

وذلك بعد مخالطته للمسلمين واطلاعه على محاسن الإسلام وخصائص شرائعه

وليس المقصود من عقد الذمة تحصيل المال عن طريق الجزية .

من تعقد له الذمة ومن لا تعقد له :

تعقد الذمة على العموم لغير المسلمين الذين يريدون أن يقيموا بدار الإسلام سواء كانوا يعيشون مع المسلمين

أم هم مستقلون في أماكنهم بعيدون عن المسلمين
وهم ينقسمون بناء على اختلاف الفقهاء إلى ثلاث طوائف :

الطائفة الأولى :

من تعقد له الذمة إجماعا بدون خلاف ، وهم : أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس :

وهؤلاء يجوز عقد الذمة لهم بلا خلاف بين الفقهاء

وذلك لأن أهل الكتاب قد صرحت آية الجزية في جواز عقد الذمة لهم كما في قوله - تعالى -:

(قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)(التوبة:29)

أما المجوس فقد ثبت لهم جواز عقد الذمة بالسنة القولية والفعلية .

فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أخذ من مجوس هجر الجزية. (كما في البخاري برقم 3157 )

وأخذ الجزية من المجوس لا لأنهم أهل كتاب أو لأنهم لهم شبهة كتاب فإن هذا مما لم يصح به دليل

وإنما هذا لثبوت أخذها منهم بالسنة كما مر .

الطائفة الثانية :

من لا تعقد لهم الذمة إجماعاً بلا خلاف وهم : المرتدون وهؤلاء لا يجوز عقد الذمة لهم إجماعاً وذلك للأسباب الآتية :

1- قوله - تعالى -: ( تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ )( الفتح: 16)

فهذه الآية نزلت في أهل الردة من بني حنيفة. بدائع الصنائع ج9/375.

2- قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( من بدل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري

فهم ليسوا على دين يقرون عليه وبذلك أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد

وإن اختلفوا في وجوب الاستتابة قبل قتله وعقد الذمة يتنافى مع وجوب القتل

لأن الذمة تفيد العصمة لصاحبها والمرتد يستحق القتل ، إذن فلا يجوز عقد الذمة له .

الطائفة الثالثة :

المشركون وهم عبدة الأوثان والأصنام والملحدون غير المرتدين :

وهؤلاء اختلف فيهم الفقهاء على ثلاثة أقوال :

القول الأول :

لا يجوز عقد الذمة وأخذ الجزية من غير أهل الكتاب والمجوس عربا كانوا أو عجما

والقائل به : الشافعية والحنابلة والظاهرية - رحم الله الجميع - .

واستدلوا بما يلي :

1- قوله - تعالى -: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ( التوبة : 5 ) .

2- قوله - صلى الله عليه وسلم -:

( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -

ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم


إلا بحقها وحسابهم على الله) متفق عليه.

وجه الاستدلال :

أن الآية والحديث يدلان على أن القتال واجب إلا من استثني بجواز تركه

حيث استثني من ذلك أهل الكتاب بآية الجزية، والمجوس بالسنة النبوية .

وأما من عداهم من غير المسلمين فإنه داخل في عموم الآية والحديث فلا يجوز عقد الذمة لهم .

ونوقش الاستدلال :

أولا :

بأن الآية الكريمة التي فيها : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)

والآيات التي قبلها في سورة التوبة إنما نزلت قبل آية الجزية في السورة نفسها .

فإنه قبل نزول آية الجزية كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقاتل المشركين من العرب والعجم

وأهل الكتاب ولم يأخذ منهم الجزية ، ثم نزلت آية الجزية فأخذها من أهل نجران وهم نصارى العرب

كما أخذها من المجوس وليسوا هم أهل كتاب فأخذها من المجوس يعد التفسير العملي

أو الخطوة التطبيقية لمراد آية الجزية وهذا دليل على جواز أخذها من جميع المشركين

إذ لا يخص مراد الآية أهل الكتاب فقط

وعلى هذا فلا يكون ذكر أهل الكتاب فيها دليلا على حصر الآية بجواز عقد الذمة لهم دون غيرهم .

ثانيا :

يجوز حمل الحديث على أنه قبل نزول آية الجزية

كما يجوز حمله أيضا على أن المقصود بالقتال هو القتال أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها 

وقال بعضهم : يحمل الحديث على مشركي العرب فقط .

ومع هذه الاحتمالات في مدلول هذا الحديث ;

لا يبقى حجة للمستدلين به على عدم جواز عقد الذمة لغير أهل الكتاب .

القول الثاني :

يجوز عقد الذمة لجميع المشركين إلا عبدة الأوثان من العرب :

القائل به : الحنفية وأحد قولي أحمد .

واستدلوا :

بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من المجوس وعقد لهم الذمة مع أنهم ليسوا أهل كتاب

فدل على جواز عقدها لجميع المشركين عدا عبدة الأوثان من العرب

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف .

ولأن قوله - تعالى - : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)

نزلت في عبدة الأوثان من العرب دون غيرهم ؛ ولأن كفرهم قد تغلظ فلا يجوز عقد الذمة لهم.

ونوقش استدلالهم :

1- أن عدم ثبوت أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العرب لا يدل على عدم قبول الجزية منهم

لأن آية الجزية إنما نزلت عام تبوك في السنة التاسعة من الهجرة بعد أن أسلمت جزيرة العرب

ولم يبق بها أحد من عبدة الأوثان

ولو بقي منهم أحد تقبل منه الجزية كما تقبل من المجوس والنصارى من العرب .

2- أنه لا فرق بين شدة كفر بعض الطوائف وبين غيره في الحكم وبالتالي

فإن كفر المجوس أغلظ من كفر عبدة الأوثان من العرب لأنهم يقرون بتوحيد الربوبية بخلاف المجوس .

القول الثالث :

يجوز عقد الذمة لجميع المشركين بلا استثناء :

القائل به : الأوزاعي ومالك واختاره ابن تيمية وابن القيم - رحم الله الجميع - .

واستدلوا :

1- حديث بريدة - رضي الله عنه - وفيه :

(وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال... ومنها : فإن هم أبوا فسلهم الجزية

فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. ) رواه مسلم

فهذا الحديث كان بعد نزول آية الجزية بدليل استمرار حكمه بعد عصره - صلى الله عليه وسلم -

وكان يشمل بعمومه جميع أصناف المشركين

لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (عدوك من المشركين)

عام يشمل مشركي العرب وغيرهم ، وحمله على أهل الكتاب فقط في غاية البعد .

يقول البغوي في شرح السنة (11/9) :

" فظاهره يوجب قبول الجزية من كل مشرك كتابي أو غير كتابي".

ويقول ابن القيم - رحمه الله - في أحكام أهل الذمة (1/15) :

" إن الجزية تؤخذ من كل كافر هذا ظاهر الحديث ، ولم يستثن منه كافرا من كافر

ولا يقال : هذا مخصوص بأهل الكتاب فإن اللفظ يأبى اختصاصهم بأهل الكتاب".

وقال أيضا (1/15) : " تؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن ومن عموم الكفار بالسنة " .

2- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كتب إلى أهل هجر وإلى المنذر بن ساوى - أمير البحرين -

وإلى ملوك الطوائف يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية ، ولم يفرق بين عربي وغيره. زاد المعاد 3/2124.

3- أن عدم جواز عقد الذمة لبعض أصناف المشركين يعد إكراها لهم على تبديل عقيدتهم

وإرغامهم على الدخول في الإسلام كرها ، وهذا يخالف ما جاء في الشرع الإسلامي

قال - تعالى -: ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )( البقرة : 256 ) .

الراجح :


وهكذا يتضح مما سبق من خلال عرض الأقوال وأدلة كل قول رجحان القول الثالث

القاضي بجواز عقد الذمة لجميع المشركين بدون استثناء .

انظر للاستزادة :

المغني مع الشرح الكبير (12/756) وبعدها ، الشرح الممتع (8/60) وبعدها .


أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/15) وبعدها

أثر اختلاف الدارين في المعاملات والمناكحات ص122 وغيرها.


---------------------------------------------------------

كتبه /  فوزي عبد الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

نسعد ونتشرف بتعليقاتكم ، ويسعدنا مراعاة ما يلي :

1 - ان يكون التعليق يخص محتوى الموضوع

2 - ان لا يحتوي التعليق اى روابط دون داعي

3 - أن لا يحتوي التعليق اي الفاظ او اساءات لاى احد